محاضرة بعنوان السحر وأثره في العقيدة
الوقاية والعلاج من السحر
كذلك أيضا يذكر كثير ممن وقعوا في هذا العمل، أو ابتلوا بهذا السحر، كيف نعالج هذا السحر؟ وكيف نتحصن منه؟ فنقول: أولا- التحصن هو يكون بالعبادة الصالحة، وبالأعمال الصالحة وبالدعوات وبالقراءة وبالذكر؛ وذلك مما يحفظ الله تعالى به عبده. ورد في حديث رسم> أن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة متن_ح> رسم> وورد في وصف سورة البقرة قوله صلى الله عليه وسلم: رسم> ولا تستطيعها البطلة متن_ح> رسم> ؛ أي لا تستطيعها السحرة، لا يستطيعون أن يعملوا فيمن يقرأها أو من تقرأ عنده.
فتعتبر هذه حصنا من الشياطين ومن ضرر السحرة ونحوهم قراءة هذه السورة؛ وذلك لما فيها من الآيات والأحكام ونحوها، افتتحها الله تعالى بصفات المؤمنين رسم> الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ قرآن> رسم> وختمها بالأدعية بقوله: رسم> رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا قرآن> رسم> إلى آخر السورة، وذكر في أثنائها عمل السحرة وهو قوله: رسم> وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ قرآن> رسم> فتعتبر حصنا من أضرار السحرة.
وهكذا أيضا كثرة قراءة القرآن تعتبر حماية للمؤمن الذي يكثر قراءة القرآن، يذكر بعض الذين يقرءون على أولئك المصابين بالسحر والمصابين بمس الجن أن الجني الذي يلابس الإنسان يقول: ما لابسته إلا بتسليط من الساحر الفلاني، هو الذي سلطني، وهو الذي كلفني في أن ألابس هذا الرجل. ويقال: يسأل كيف لا تلابس فلانا وفلانا؟ فيقول: إنهم يتحصنون بالأدعية، وبالأعمال الصالحة.
لما أن بعض القراء قرأ علي شيطان أو جني في امرأة قال له القارئ: لا أخلي سبيلك إلا إذا دخلت في فلان أو في فلانة. فقال: إني لا أستطيع، إن فلانا يتحصن بالذكر، يتحصن بالقراءة، يقرأ الأوراد في كل صباح، يقرأه في كل مساء، كذلك عبد صالح؛ فعرف بهذا أن العبد الصالح التقي النقي، المؤمن بالله تعالى، المحافظ على الصلوات، والمحافظ على الأوراد، وعلى أذكار الصباح والمساء، وعلى الأعمال الصالحة، والبعيد عن الشبهات، وعن المحرمات -أن الله تعالى يحرصه ويحفظه من ضرر هؤلاء الشياطين ومردة الجن والسحرة، وأنهم لا يستطيعونه؛ بحيث أنهم يهربون منه.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر اسم> رضي الله عنه: رسم> والذي نفسي بيده ما رآك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك متن_ح> رسم> وقال أيضا: رسم> إن الشيطان يهرب من ظل عمر اسم> رسم> رضي الله عنه، لماذا؟ لأن قلبه ممتلئ بالإيمان، قلبه ممتلئ باليقين وبالعمل الصالح ولأنه يتبع القول بالعمل؛ ولأنه مستظهر لكتاب الله تعالى يقرأه ويتحصن به.
فكتاب الله حصن حصين يحفظك إذا حفظته، ويحرسك الله تعالى به، ويحول بينك وبين مردة الجن والشياطين، لا يستطيعون أن يعملوا أية عمل؛ ولهذا يشاهد أن هؤلاء ما يتسلطون إلا على العصاة وأهل ضعف الإيمان. وكذلك أيضا على من يفرط في قراءة الأذكار. فنوصيك بأن تحافظ على الأذكار في أول النهار وفي آخره، مثل قول: رسم> أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق ومن شر شيطان وهامة ومن شر عين لامة ومن شر مخلوقات الله كلها عامة متن_ح> رسم> .
وكذا نوصيك بقراءة المعوذتين: رسم> قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ قرآن> رسم> و رسم> قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ قرآن> رسم> فقد ورد ما يدل على أن الشياطين لا يقدرون على من قرأ هذه الآيات والأحاديث والأدعية ونحوها.
وإذا قيل: كيف توصل ذلك الساحر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: قالت عائشة اسم> رسم> سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله متن_ح> رسم> ؟! فيقال: ذلك السحر لم يؤثر في بدنه، فهو مستقيم البدن، ولم يؤثر في عقله، فعقله مستقيم أيضا.
وكذلك لم يؤثر في سمعه ولا في بصره ولا في جسمه ولا غير ذلك؛ إلا أن ذلك الساحر توصل إلى أنه يحول بينه وبين إتيان بعض نسائه؛ بحيث إنه يخيل إليه أنه يأتي النساء وما يأتيهن، فهذا مما قد يتسلط به الشيطان؛ بحيث لا يقدر على الوطء. يحبس الرجل عن امرأته؛ ولكن مع ذلك سأل ربه فأعانه وأنجاه ودله على موضع ذلك السحر. أخبر بأن ذلك الساحر يهودي يقال له: لبيد بن الأعصم اسم> وأنه أخذ شيئا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فجعله في مشط.
والمشط الذي يمشط بها الرأس. ومشاطة أيعني بعض من الشعر. وجعله في جوف نخلة، وألقاه في بئر يقال لها: بئر ذروان اسم> فيقول صلى الله عليه وسلم لما أتى على تلك البئر: رسم> وإذا ماؤها مثل نقاعة الحناء، وإذا نخلها مثل رؤوس الشياطين متن_ح> رسم> فاستخرج ذلك السحر، فبطل عمل ذلك السحر بأمر الله تعالى؛ مع أنه لم يؤثر في عمل من أعماله صلى الله عليه وسلم.
هذا قد يحدث أن بعض الشياطين يكره للإنسان زوجته أو يحول بينه وبين وطئها؛ بحيث إنه إذا قرب من امرأته بطلت حركته ولم يستطع وطأها، وهو في العادة بخلاف ذلك، أعني أنه يكون معه شهوة ومعه قوة؛ ولكن متى قرب من امرأته بطلت حركته، وبطلت شهوته، وصار لا يقدر على الوطء. لا شك أن هذا أيضا من عمل السحرة، وله علاج. علاجه مثل ما ورد أو ذكر بعض القراء ونحوهم بالأدعية وما أشبهها، وبقراءة الآيات التي فيها إبطال السحر.
مثل قوله تعالى في سورة الأعراف: رسم> وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ قرآن> رسم> بطل ما كانوا يعملون، ومثل قوله في سورة يونس: رسم> فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ قرآن> رسم> ومثل قوله في سورة طه: رسم> قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى قرآن> رسم> .
ومثل قوله تعالى: رسم> وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا قرآن> رسم> رسم> قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ قرآن> رسم> ومثل قوله تعالى: رسم> بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ قرآن> رسم> وكقراءة أول سورة الصافات وفيها قوله تعالى في صفة عمل الشياطين: رسم> إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ قرآن> رسم> وقوله تعالى في سورة الحجر: رسم> وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ قرآن> رسم> وأشباه ذلك.
مسألة>